فصل: قال الثعالبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القرطبي:

قوله تعالى: {لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكتسبوا} يريد من الثواب والعقاب {وَلِلنِّسَاءِ} كذلك؛ قاله قتادة.
فللمرأة الجزاء على الحسنة بعشر أمثالها كما للرجال.
وقال ابن عباس: المراد بذلك الميراث.
والاكتساب على هذا القول بمعنى الإصابة، للذّكَر مثل حظ الأنثيين؛ فنهى الله عز وجل عن التمني على هذا الوجه لما فيه من دواعي الحسد؛ ولأن الله تعالى أعلمُ بمصالحهم منهم؛ فوضع القسمة بينهم على التفاوت على ما علم من مصالحهم. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {للرجال نصيب مما اكتسبوا} الآية: إن أريدَ بذكر الرجال والنساء هنا قصد تعميم الناس مثل ما يُذكر المشرق والمغرب، والبر والبحر، والنجد والغَوْر، فالنهي المتقدّم على عمومه.
وهذه الجملة مسوقة مساق التعليل للنهي عن التمنّي قطعًا لعذر المُتمَنّين، وتأنيسًا بالنهي، ولذلك فصلت؛ وإن أريد بالرجال والنساء كلاّ من النوعين بخصوصه بمعنى أنّ الرجال يختصّون بما اكتسبوه، والنساء يختصصن بما اكتسبن من الأموال، فالنهي المتقدّم متعلّق بالتمنّي الذي يفضي إلى أكلّ أموال اليتامى والنساء، أي ليس للأولياء أكل أموال مواليهم وولاياهم إذ لكلّ من هؤلاء ما اكتسب.
وهذه الجملة علّة لجملة محذوفة دلّت هي عليها، تقديرها: ولا تتمنّوا فتأكلوا أموال مواليكم.
والنصيب: الحظّ والمقدار، وهو صادق على الحظ في الآخرة والحظّ في الدنيا، وتقدّم آنفًا.
والاكتساب: السعي للكسب، وقد يستعار لحصول الشيء ولو بدون سعي وعلاججٍ.
و(مِن) للتبعيض أو للابتداء، والمعنى يحتمل أن يكون استحقّ الرجال والنساء كلّ حظّه من الأجر والثواب المنجرّ له من عمله، فلا فائدة في تمنّي فريق أن يعمل عمل فريق آخر، لأنّ الثواب غير منحصر في عمل معيَّن، فإنّ وسائل الثواب كثيرة فلا يسوءكم النهي عن تمنّي ما فضّل الله به بعضكم على بعض.
ويحتمل أنّ المعنى: استحقّ كلّ شخص، سواء كان رجلًا أم امرأة، حظّه من منافع الدنيا المنجرّ له ممّا سعى إليه بجهده، أو الذي هو بعض ما سعى إليه، فتمنّي أحد شيئًا لم يسع إليه ولم يكن من حقوقه، هو تمنّ غير عادل، فحَقَّ النهي عنه؛ أو المعنى استحقّ أولئك نصيبهم ممّا كسبوا، أي ممّا شُرع لهم من الميراث ونحوه، فلا يحسد أحدٌ أحدًا على ما جعل له من الحقّ، لأنّ الله أعلم بأحقّيّة بعضكم على بعض. اهـ.

.قال الفخر:

قوله: {واسألوا الله مِن فَضْلِهِ} تنبيه على أن الإنسان لا يجوز له أن يعين شيئًا في الطلب والدعاء، ولكن يطلب من فضل الله ما يكون سببًا لصلاحه في دينه ودنياه على سبيل الإطلاق. اهـ.

.قال الطبري:

{وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ}.
يعني بذلك جل ثناؤه: واسألوا الله من عونه وتوفيقه للعمل بما يرضيه عنكم من طاعته. ففضله في هذا الموضع: توفيقه ومعونته. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَاسْئَلُواْ الله مِن فَضْلِهِ} عطف على النهي بعد تقرير الانتهاء بالتعليل كأنه قيل: لا تتمنوا نصيب غيركم ولا تحسدوا من فضل عليكم واسألوا الله تعالى من إحسانه الزائد وإنعامه المتكاثر فإن خزائنه مملوءة لا تنفد أبدًا، والمفعول محذوف إفادة للعموم أي واسألوا ما شئتم فإنه سبحانه يعطيكموه إن شاء، أو لكونه معلومًا من السياق، أي واسألوا مثله، ويقال لذلك: غبطة.
وقيل: (من) زائدة أي واسألوا الله تعالى فضله، وقد ورد في الخبر «لا يتمنين أحدكم مال أخيه ولكن ليقل اللهم ارزقني اللهم أعطني مثله» وذهب بعض العلماء كما في [البحر] إلى المنع عن تمني مثل نعمة الغير ولو بدون تمني زوالها لأن تلك النعمة ربما كانت مفسدة له في دينه ومضرة عليه في دنياه، فلا يجوز عنده أن يقول: اللهم أعطني دارًا مثل دار فلان ولا زوجًا مثل زوجه بل ينبغي أن يقول: اللهم أعطني ما يكون صلاحًا لي في ديني ودنياي ومعادي ومعاشي، ولا يتعرض لمن فضل عليه، ونسب ذلك للمحققين وهم محجوجون بالخبر اللهم إلا إذا لم يسلموا صحته، وقيل: المعنى لا تتمنوا الدنيا بل اسألوا الله تعالى العبادة التي تقربكم إليه، وإلى هذا ذهب ابن جبير وابن سيرين، وأخرج ابن المنذر عن الثاني أنه إذا سمع الرجل يتمنى الدنيا يقول: قد نهاكم الله تعالى عن هذا ويتلو الآية، والظاهر العموم، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سلوا الله تعالى من فضله فإن الله تعالى يحب أن يسأل وإن من أفضل العبادة انتظار الفرج». اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {واسئلوا الله من فضله} إن كان عطفًا على قوله: {للرجال نصيب مما اكتسبوا} إلخ، الذي هو علّة النهي عن التمنّي، فالمعنى: للرجال مَزاياهم وحقوقهم، وللنساء مزاياهنّ وحقوقهنّ، فمن تمنّى ما لم يُعَدَّ لصنفه فقد اعتدى، لكن يسأل الله من فضله أن يعطيه ما أعدّ لصنفه من المزايا، ويجعل ثوابه مساويًا لثواب الأعمال التي لم تُعدّ لصنفه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للنساء: «لكن أفضل الجهاد حجّ مبرور» وإن كان عطفًا على النهي في قوله: {ولا تتمنوا} فالمعنى: لا تتمنّوا ما في يد الغير واسألوا الله من فضله فإنّ فضل الله يسع الإنعام على الكلّ، فلا أثر للتمنّي إلاّ تعب النفس. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {واسألوا الله مِن فَضْلِهِ} روى الترمذي عن عبدلله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سلُوا الله من فضله فإنه يحب أن يُسأل وأفضل العبادة انتظار الفرج».
وخرّج أيضًا ابن ماجه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لم يسأل الله يغضب عليه» وهذا يدّل على أن الأمر بالسؤال لله تعالى واجب؛ وقد أخذ بعض العلماء هذا المعنى فنظمه فقال:
الله يغضَب إن تركتَ سؤاله ** وبني آدمَ حين يُسأل يَغضبُ

وقال أحمد بن المعذّل أبو الفضل الفقيه المالكي فأحسن:
التِمس الأرزاقَ عندَ الذي ** ما دُونَه إن سِيَل مِن حاجِبِ

مَنْ يُبغِض التاركَ تَسْأَلَهُ ** جودًا ومن يَرضَى عن الطالبِ

ومَنْ إذا قال جَرَى قولُه ** بغير تَوْقِيع إلى كاتبِ

وقد أشبعنا القول في هذا المعنى في كتاب [قمع الحرص بالزهد والقناعة].
وقال سعيد بن جُبير: {واسألوا الله مِن فَضْلِهِ} العبادة، ليس من أمر الدنيا.
وقيل: سَلُوه التوفيقَ للعمل بما يرضيه.
وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: سلُوا ربَّكم حتى الشّبع؛ فإنه إن لم ييسره الله عز وجل لم يتيّسر.
وقال سفيان بن عُيَيْنة: لم يأمر بالسؤال إلا لِيعطي. اهـ.

.قال الثعالبي:

{وَاسْأَلُواْ الله مِن فَضْلِهِ} [النساء: 32].
قال القُشَيْرِيُّ: سمعْتُ الشيخ أبا عَلِيٍّ يقولُ: مِنْ علاَمَاتِ المَعْرفة أَلاَّ تسأل حوائجَكَ، قَلَّتْ أَوَ كَثُرَتْ إِلاَّ مِنَ اللَّهِ تعالَى مِثْلُ موسَى اشتاق إِلَى الرُّؤْية، فقال: {رَبِّ أرني أَنظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف: 143]، واحتاج مرَّةً إِلى رغيفٍ، فقال: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص: 24] انتهى من [التحبير]. اهـ.

.قال البيضاوي:

{واسألوا الله مِن فَضْلِهِ} أي لا تتمنوا ما للناس واسألوا الله مثله من خزائنه التي لا تنفذ. وهو يدل على أن المنهي عنه هو الحسد، أو لا تتمنوا واسألوا الله من فضله بما يقربه ويسوقه إليكم. اهـ.

.قال الفخر:

والمعنى أنه تعالى هو العالم بما يكون صالحا للسائلين، فليقتصر السائل على المجمل، وليحترز في دعائه عن التعيين، فربما كان ذلك محض المفسدة والضرر، والله أعلم. اهـ.

.قال الماوردي:

{إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} أنه قسَّم الأرزاق على ما علم وشاء فينبغي أن ترضوا بما قسم وتسألوه من فضله غير متأسفين لغيركم في عطية. والنهي تحريم عند أكثر العلماء، لأنه ليس لأحد أن يقول: ليت مال فلان لي، وإنما يقول ليت مثله لي. اهـ.

.قال الألوسي:

{إنَّ الله بِكُلّ شيء عَلِيمًا} ولذلك فضل بعض الناس على بعض حسب مراتب استعداداتهم وتفاوت قابلياتهم.
ويحتمل أن يكون المعنى أنه تعالى لم يزل ولا يزال عليمًا بكل شيء فيعلم ما تضمرونه من الحسد ويجازيكم عليه. اهـ.

.قال أبو السعود:

{إِنَّ الله كَانَ بِكُلّ شيء عَلِيمًا} ولذلك جعل الناسَ على طبقات ورفَع بعضَهم على بعض درجاتٍ حسب مراتبِ استعداداتِهم الفائضةِ عليهم بموجب المشيئةِ المبنيةِ على الحِكَم الأبية. اهـ.

.قال ابن كثير:

{إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} أي: هو عليم بمن يستحق الدنيا فيعطيه منها، وبمن يستحق الفقر فيفقره، وعليم بمن يستحق الآخرة فيقيضه لأعمالها، وبمن يستحق الخذلان فيخذله عن تعاطي الخير وأسبابه؛ ولهذا قال: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32)}.
لسان المعاملة أن الأمر بالتعني لا بالتمني، ولسان التوحيد أن الأمر بالحُكْم والقضاء لا بالإرادة والمنى. ويقال اسلكوا سبيل من تقدَّمكم في قيامكم بحق الله، ولا تتعرضوا لنَيْلِ ما خُصُّوا به من فضل الله. قوموا بحقِّ مولاكم ولا تقوموا بمتابعة هواكم واختيار مناكم.
ويقال لا تتمنوا مقام السادة دون أن تسلكوا سُبُلَهُم، وتلازموا سيرهم، وتعملوا عملهم.. فإن ذلك جَوْرٌ من الظن.
ويقال: كُن طالب حقوقه لا طالب نصيبك على أي وجه شئت: دنيا وآخرة (وإلاَّ) أشركت في توحيدك من حيث لم تشعر.
ويقال خمودُك تحت جريان حكمه- على ما سبق به اختياره- أحظَى لكَ من تعرضك لوجود مناك، إذ قد يكون حتفك في مُنيتك.
ويقال مَنْ لم يؤدّب ظاهرهُ بفنون المعاملات، ولم يهذِّب باطنه بوجوه المنازلات فلا ينبغي أن يتصدَّى لنيل المواصلات، وهيهات هيهات متى يكون ذلك!
{وَسْئَلُوا اللهَ مِن فَضْلِهِ}: الفرق بين التمني وبين السؤال من فضله من وجوه: يكون التمني للشيء مع غفلتك عن ربك؛ فتتمنى بقلبك وجود ذلك الشيء من غير توقعه من الله، فإذا سألت الله فلا محالة تذكره، والآخر أن السائل لا يرى استحقاق نفسه فيحْمِلُه صِدْقُ الإرادة على التملُّق والتضرع، والتمني يخلو عن هذه الجملة.
والآخر أن الله نهى عن تمني ما فضل الله به غيرك إذ معناه أن يسلب صاحبك ما أعطاه ويعطيك إياه، وأباح السؤال من فضله بأن يعطيك مثل ما أعطى صاحبك.
ويقال لا تتمنَّ العطاء وسَلْ الله أن يعطيك من فضله الرضا بِفَقْدِ العطاء وذلك أتمُّ من العطاء، فإنَّ التَّحرُّرَ من رقِّ الأشياء أتمُّ مِنْ تملُّكِها. اهـ. بتصرف يسير.